![](/sites/default/files/old/images/p18_20090506_pic3.jpg)
نقرأ قصائده، فتتناهى إلينا المذاقات والروائح ذاتها التي جذبتنا في رواياته. الفرق كبير طبعاً بين نبرة سردية مرتاحة ذاهبة إلى إنجاز رواية، وبين نبرة منتبهة ومتروية مشغولة بإنجاز قصيدة. هذا الفرق لا يغيب عن أذهاننا ونحن نقرأ أشعاره، لكنّ سؤالاً ملحّاً ظلّ يلاحقنا: لماذا نصادف عناصر رواياته ومكوّناتها في ثنايا هذه القصائد؟ التساؤل الوجودي القاتم، الهوية المتصدِّعة والممزقة، الخلفية الفلسفية والأخلاقية والتأمل الرومنطيقي... هذه المنابع الكبرى التي رسم بها صاحب «رحلة إلى الشرق» حيوات أبطاله ومصائرهم، حاضرة هنا بممارسات لائقة بالشعر. في قصيدة «الهدف»، نقرأ: «أبداً بلا هدفٍ مشيتْ/ وما أردتُ بلوغ الراحة/ وبلا نهايةٍ بدتْ دروبي/ وأخيراً رأيتُني في دوائر، لا غير/ تجوَّلتُ، ومن الأسفار تعبت/ كان فاصلاً في حياتي ذلك النهار/ متردداً أمشي الآن صوب الهدف/ لأني أعرف: على دروبي كلِّها/ يقف الموت، ولي يمدُّ يديه». نرى هنا أنّ هيسّه لا يبدِّل جلده عندما يتعاطى الشعر، لكن إلى أين يفرّ من «الماركة الألمانية» اللصيقة بنتاج أبناء لغته؟ حضور الفلسفة في الأدب الألماني له خصوصية فريدة ومختلفة، وعندما نركن إلى صعوبة فكّ الاشتباك بين الفلسفة والأدب، يصير سهلاً أن نتذوق قصائد هيسّه ونحاسبه كشاعر. وفي هذا السياق، لن نتردد في وضعه بين شعراء الألمانية الكبار. في قصيدة «الفنان»، يلخِّص حياته كلّها: «لا أحد يعرف أن هذا الإكليل الفَرِح/ الذي يغرزه العالم ضاحكاً في شَعري/ التهم طاقة حياتي كلها وبريقها/ آه، وأن التضحية كانت بلا فائدة». نقرأ هذا المقطع، ونتذكر أن معظم الشعراء الألمان كتبوا مقاطع مشابهة له، بالفلسفة الشخصية نفسها، والألم الوجودي عينه.